في قرية صغيرة تقع بين الجبال الخضراء، عاش فتى يُدعى ياسر مع والدته العجوز. كان ياسر فتى طيب القلب، لكنه دائم الشكوى من فقره. كان يرى أن حياته صعبة، وأن الحظ لا يبتسم له كما يفعل مع الآخرين.
في كل صباح، كان يذهب إلى الحقول ليساعد أهل القرية في زراعة الأرض أو جمع الثمار. وكان كلما رأى ابن التاجر يمر بثيابه الفاخرة على حصانه الأبيض، تنهّد وقال:
“آه، لو كان لي مثل ماله! لكان لي شأن في هذه الحياة!”
وذات مساء، بينما كان ياسر عائدًا من الحقل، قابل شيخًا كبيرًا في السن، يلبس عباءة بيضاء، ويمسك بعصاه. سأله الشيخ:
“لماذا تبدو حزينًا يا بني؟”
أجابه ياسر:
“تعبت من الفقر. أعمل كثيرًا ولا أحصل على شيء. كل الناس يملكون شيئًا إلا أنا.”
ابتسم الشيخ وقال:
“ربما تملك كنزًا، لكنك لا تراه.”
تفاجأ ياسر وقال ساخرًا:
“كنز؟ أنا؟ لا أملك شيئًا سوى ملابسي البالية وهذه الحياة المتعبة.”
قال الشيخ:
“خذ هذه الورقة. فيها خريطة لكنز ثمين. اتبعها جيدًا، ولكن تذكّر: الكنز الحقيقي ليس كما تظن.”
تناول ياسر الورقة بسرعة، وفتحها بشغف. كانت مرسومة بخط يدوي، تظهر طريقًا يبدأ من قريته ويمتد عبر الجبال والغابات، حتى يصل إلى علامة “X” حمراء في نهاية الخريطة.
في اليوم التالي، ودّع والدته، وانطلق في رحلة البحث عن الكنز.
رحلة الحكمة
مرّ ياسر أولاً بغابة كثيفة، حيث ساعد عجوزًا ضاعت ماشيته، ثم تابع طريقه إلى نهر، وهناك أنقذ طفلاً كاد يغرق. بعد ذلك، قابل قافلة تائهة، فدلّهم على الطريق الصحيح مستخدمًا معرفته بالجبال.
كل مرة كان يساعد أحدهم، كان يحصل على دعاء صادق، وابتسامة مليئة بالامتنان، لكنه كان يُكرر في نفسه:
“هذا جميل، لكن أين الكنز؟”
وأخيرًا، بعد أيام من السفر، وصل إلى الموقع المرسوم في الخريطة. لم يجد ذهبًا، ولا صندوقًا مليئًا بالجواهر، بل شجرة زيتون ضخمة وظلها يكسو الأرض.
بحث هنا وهناك، حفر تحت الشجرة، قلب التراب، لكن لا شيء.
جلس ياسر محطم الأمل، وبدأ يبكي. في تلك اللحظة، ظهر الشيخ مرة أخرى، بنفس عباءته وعصاه.
قال ياسر بغضب:
“خدعتني! لا يوجد كنز هنا!”
اقترب الشيخ منه، ووضع يده على كتفه وقال بلطف:
“بل وجدت الكنز، ولكنك لم تدركه بعد. أخبرني، ماذا فعلت في طريقك إلى هنا؟”
تذكّر ياسر ما مرّ به:
- ساعد عجوزًا
- أنقذ طفلاً
- أرشد قافلة ضائعة
- وتعلّم الصبر، التضحية، والمعنى الحقيقي للعطاء
قال الشيخ:
“الكنز يا بني ليس مالًا يُفنى، بل قيم تبقى. لقد اكتشفت في قلبك الرحمة، الشجاعة، والمروءة. هذا هو الكنز الذي لا يُرى، لكنه يُغيّر الحياة.”
ابتسم ياسر، وشعر لأول مرة في حياته بأنه غني… ليس بذهب، بل بما أصبح عليه.
عاد إلى قريته مختلفًا. لم يعد يشتكي من الفقر، بل صار يساعد الجميع، وينشر الأمل بينهم. وكلما سأله أحدهم عن سر سعادته، قال بابتسامة:
“لقد وجدت كنزي.”
العبرة:
الثروة الحقيقية ليست ما نملكه من مال، بل ما نحمله من قيم ومبادئ في قلوبنا.

Wow nice
[…] Read more – الكنز الذي لا يُرى […]